وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، قال تعالى : " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا * وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا * ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " .
وقد ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة متفرقة من القرآن . وذكر قصته في مواضع متعددة مبسوطة وغير مطولة . وقد تكلمنا على ذلك كله في مواضعه من التفسير . وسنورد سيرته هاهنا من ابتدائها إلى آخرها من الكتاب والسنة وما ورد في الآثار المنقولة من الإسرائيليات الذي ذكرها السلف وغيرهم إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان .
قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم" طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين * ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " .
يذكر تعالى ملخص القصة ثم يبسطها بعد هذا ، فذكر أنه يتلو على نبيه خبر موسى وفرعون بالحق ، أي بالصدق الذي كأن سامعه مشاهد للأمر معاين له .
" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا " أي تجبر وعتا وطغى وبغى ، وآثر الحياة الدنيا ، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى . وجعل أهلها شيعاً ، أي قسم رعيته إلى أقسام ، وفرق وأنواع ، يستضعف طائفة منهم ، وهم شعب بني إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله . وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض . وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر . يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا " يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين " .
وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام ، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه ، وذلك - والله أعلم - حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر ، من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها . وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل . فتحدث بها القبط فيما بينهم ، ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده ، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل ، حذراً من وجود هذا الغلام . ولن يغني حذر من قدر !
وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن أناس من الصحابة : أن فرعون رأى في منامه ، كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس ، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل . فلما استيقظ هاله ذلك ، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة ، وسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا غلام يولد من هؤلاء ، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه ، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان .
ولهذا قال الله تعالى : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض " وهم بنو إسرائيل ، " ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " أي الذين يئول ملك مصر وبلادها إليهم : " ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " أي سنجعل الضعيف قوياً والمقهور قاهراً والذليل